اكتشاف دير من العهد البيزنطي في موقع تل عار
"تل عار" هو واحد من أهم التلال الأثرية في منطقة
"خان شيخون"، يبعد عن مدينة "معرة النعمان" حوالي 20 كم في الجهة الجنوبية
الغربية ويتوضع شرق الطريق الدولية "حلب- دمشق" بحوالي 2 كم، وإلى اليوم
لم تجر في الموقع أعمال تنقيب منتظمة، لكنه خضع لعدد من التنقيبات الطارئة
كان آخرها في العام الماضي حيث أسفرت أعمال التنقيب في أقصى الجهة
الغربية من التل عن كشف أثري هام عبارة عن دير ضخم يعود للقرن الخامس
الميلادي.
بدأت أعمال التنقيب في موقع "تل عار" في شهر أيار من
عام 2010، وأثناء أعمال التنقيب تم العثور على مجموعة من اللقى الأثرية
المنقولة وهي حجر كريم برتقالي اللون بيضوي الشكل سماكته 2 مم كان يستخدم
تزيينة لخاتم يدوي نقش على وجه مشهد أسطوري يمثل رجل برأس إنسان ملتحي
وجسم طائر مجنح وأرجل تشبه قوائم الغزال، قياسه 1.5*1 سم، بالإضافة لتمثال
صغير طفل أسطوري صغير يظهر في وضعية الجلوس على الأرض ارتفاعه 3.5 سم وهو
مصنوع من الرصاص، وكذلك عملة نقدية وهي فلس إسلامي، ومع استمرار أعمال
التنقيب على عمق من 60 سم إلى 2 متر تم كشف بناء ضخم يعتقد بأنه كاتدرائية
أو دير، وهو يتألف من فسحة سماوية كبيرة مستطيلة الشكل بأبعاد 12×8 م
رصفت أرضيتها بالفسيفساء التي تحوي مشاهد متنوعة لكنها تعرضت للتخريب
والنهب ولم يتبقى سوى أجزاء بسيطة منها، ويحيط بها من الجهات الأربع قاعات
متوسطة وصغيرة، بالإضافة لكنيسة صغرى ملاصقة لبناء الدير من الجهة
الشمالية، المدخل الرئيسي للدير من الجهة الشرقية يؤدي إلى الفسحة
السماوية عبر ممر عرضه حوالي مترين يتجه شرقاً، أما القاعة الجنوبية فهي
الأخرى مستطيلة الشكل أبعادها 8× 4 م لها بابان، الأول من الشمال يفضي إلى
الفسحة السماوية والباب الآخر يفضي إلى قاعة مرصوفة بالفخار ملاصقة لهذه
القاعة من جهة الجنوب، أيضاً رصفت أرضية القاعة بالفسيفساء الجميلة وهي
عبارة عن مشهد هندسي متكامل مؤلف من عدة مربعات ومستطيلات ومثلثات تتقاطع
مع بعضها البعض مشكلة مشهد في غاية الدقة والجمال، وعثر على قاعة ثانية هي
قاعة الفخار تقع في الجزء الجنوبي من البناء وهي ملصقة للقاعة الجنوبية،
طولها 7 م ورصفت أرضيتها ببلاط من الفخار المشوي المربع الشكل وقد زخرفة
البلاطات بزخارف هندسية متنوعة».
أما القاعة الشرقية فهي مربعة الشكل أبعادها تقريبا
6×6 م رصفت أرضيتها بالفسيفساء، حيث يتألف المشهد الرئيسي من عدة صفوف من
الأشكال الهندسية السداسية التي تضم معينات صغيرة بشكل طولاني وعرضاني
بالتناوب، يربط بين كل شكلين من الصفوف العرضاني شكل الصليب المعقوف،
أيضاً تم الكشف عن قاعتين مستطيلتي الشكل في الجهة الشمالية من الفسحة
السماوية، وهما بأبعاد متساوية 3.5×4.5 م، واحدة منها رصفت أرضيتها
بالفسيفساء والأخرى لم ترصف بالفسيفساء، أما القاعة الشمالية الغربية فتقع
إلى الشمال الغربي من الفسحة السماوية، مستطيلة الشكل بأبعاد 10×4 م فيها
مدخل في الجهة الشمالية يؤدي إلى الكنيسة الصغرى وقد رصفت أرضيتها
بالفسيفساء ولكن تخرب القسم الأكبر منها ولم يبق إلا بعض الإطارات، أما
الكنيسة الصغرى فهي ملاصقة للمبنى من الجهة الشمالية فيه مستطيلة الشكل
أبعادها 9×4 م، تتألف من صحن مركزي دون أروقة وحنية نصف دائرية أبعادها
2×2.6 م، وقد رصفت أرضيتهما بالفسيفساء الجميلة متعددة المشاهد
والمتكاملة، فمشهد الصحن المركزي حيواني مؤطر بإطارين هندسيين حيث نشاهد
نمرا يطارد غزالا ولبوة تطارد حمارا، يفصل بين المشهدين مشهد نباتي لشجرة
الرمان المثمرة ومشهد الحنية عبارة عن مزهرية في الوسط يحيط بها طائران».
الأحجار المستخدمة في البناء هي أحجار كلسية بأحجام
كبيرة للجدران الخارجية أما لجدران الداخلية فقد نفذت بأحجار كلسية صغيرة
الحجم، وأهم ما يميز هذا البناء أن جدرانه مطلية بالكلس الأبيض ومن بقايا
الجدران تبين أنها مرسومة بـ "الإيفرسك" الجداري الذي بقي منه بعض الأجزاء
التي تدل على أنه كان يشكل جزءا من مشاهد هندسية وطبيعية جميلة، وقد تم
الإبقاء على هذه الأرضية في موقعها ويعتبر هذه الدير من أهم المباني
الدينية في المنطقة نظراً لمساحة البناء الكبيرة، ومن المرجح أن تاريخها
يعود إلى القرن السادس الميلادي، وهو موقع مترامي الأطراف وفي العام
القادم سنبدأ أعمال تنقيب منظم للموقع، إذ إن اكتشاف العناصر المعمارية
هذه يدل على أن الموقع كان يتمتع بأهمية كبيرة في القرون الميلادية
الأولى».
وبخصوص تاريخ هذا الدير لم يتم العثور على نصوص
كتابية تؤرخ البناء ولكن ومن خلال اللقى الأثرية المنقولة والزخارف
الموجودة على الأرضية الفسيفسائية والكنيسة المكتشفة خلال أعمال التنقيب
فإن البناء يعود للفترة البيزنطية القرن الخامس الميلادي وقد أعيد
استخدامه للسكن في الفترة الإسلامية المبكرة».