معرة النعمان
مدينة المعرة (معرة النعمان) تقع جنوبي ادلب في سوريا وتبعد عن مدينة حلب /84/كم. وعن مدينة حماه
/60/كم وتعلو عن سطح البحر بـ/496/ م. ومما أعطى مدينة المعرة الأهمية
واستقطابها لسكن الإنسان القديم هو ما تتمتع به من مناخ لطيف وموقع
استراتيجي،
سيما مجاورتها لمملكة أبلا ووقوعها أيضاً بين مملكتين هامتين هما أفاميا
في الجنوب الغربي
وشاليسيس قنسرين إلى الشمال منها. فضلاً عن السهول الخصبة
والطبيعة الجيولوجية التي امتازت بها أيضاً
. كل
هذه العوامل جعلت من مدينة المعرة معرة النعمان مهوى أفئدة الإنسان
القديم الذي استقر بها وأفرز بصمات لا تمحى وقد توضعت نواة مدينة المعرة
فوق تلال ثلاثة هي (بنصرة ومنصور باشا والفجل) واستمرت فيها الحياة حتى
العصر الكلاسيكي حيث شرعت أسباب المدينة بالارتقاء وساد الأمن والطمأنينة
فانحدر سكان تلك التلال إلى السهل المتوسط وأنشئوا مدينتهم الجديدة
(المعرة)
لتصبح فيما بعد مهد الشاعر والفيلسوف أبي العلاء المعري وغيره فبلغت
شهرتها الأمصار وازدهرت حضارتها فذكرها الرحالة والباحثون والعلماء
والمؤرخون
معرة النعمان من المدن السورية المغرقة بالقدم شهدت احداث كثيرة عبر
تاريخها الطويل وحروب دامية من غزاة
الآشوريينواليونانيينوالبيزنطيينوالفرسوالرومان, ويذكر المؤرخ ابن الشحنة
في كتابه (الدر المنتخب في تاريخ مملكة حلب)
أن عدة أعمدة قديمة قد تم اكتشافها فيها, ومن المحتمل أن تكون المعرة قد
قامت في موقع (عرّا) القديمة الواقعة على طريق كالسيس (قنسرين)(– حماة ؛
وذلك لتكون محطة للقوافل العابرة من حماة إلى حلب ومن منطقة الغاب والبحر إلى بادية الشام وبالعكس 0
كانت
تسمية مدينة المعرة مثاراً للجدل واختلف الباحثون فأن المعرة كوكب في
السماء دون المجرة والمعرة قتال الجيش دون إذن الأمير أو لفظ المعرة باللغة
الجنابة أو المصيبة أو الشده وهناك فريق من المؤرخين يؤكد بأن المعرة
لفظة سريانية أي (مغرتا) وتعني المغارة أو الكهف لكثرة المغاور والكهوف
فيها.
وسميت في العهد الروماني (أرّا) أي القديمة وفي العهد البيزنطي
سميت (مارّ) ودعيت في العصر العباسي (العواصم) حيث ذكرها أبو العلاء في
شعره بقوله : متى سآلت بغداد عني وأهلها فإني عن أهل العواصم سآل |(العوصم =
معرة النعمان)
وسميت معرة حمص لتابعيتها مركز الجند في مدينة حمص، أما
نسبة النعمان فهناك أكثر من رواية لعل من أرجحها هو نسبة إلى النعمان بن
بشير الأنصاري الصحابي وكان والياً على حمص حين توفي ولده عندما كان يعبر
مدينة المعرة فأقام حزناً عليه لعدة أيام فنسبت له.
تعتبرالمعرة
كجاراتها من المدن السورية التي عرفت العهود القديمة ومع تعاقب الأزمنة
توسعت وامتدت وأضحت من أبرز محطات القوافل العابرة من جنوب الشام إلى
شمالها ومن بحرها إلى باديتها وأن الأثار التي تتوزع حناياها خير شاهد على
قدمها وشأنها وأهميتها فقد شهدت عهود الآشورين والفراعنه واليونانين
والفرس والرومان والبيزنطيين.
وفي عام (1248 هـ- 1832م) استولى عليها إبراهيم باشا المصري
ابن محمد علي وأمر بتجنيد الصغار والكبار وتسخير الناس في الأعمال الشاقة
ثم ما لبثت أن تعرضت من بعد للاعتداء والنهب من قبل جنده في عام (1256هـ -
1840م) إلى أن عادت إلى العثمانيين في هذه السنة نفسها لترزح تحت نير
العذاب والعسف والخسف والخراب 000 حتى عام (1337هـ - 1918م) حيث انضوت تحت
لواء الحكومة العربية ونعمت كشقيقاتها بالحرية ولكن ذلك العهد لم يطل
فدخلتها أرتال الجيش الفرنسي في عام (1338هـ- 1920م) لتقع كغيرها تحت نير
الانتداب الفرنسي وتخضع لنظمه ومظالمه 0ولقد شارك أبناء المعرة في مختلف
الانتفاضاتوالثورات
ضد المحتل الغاصب وعلى مدى ستة وعشرين عاما" حتى أطل صباح الجلاء في
السابع عشر من نيسان (أبريل) من عام 1946م واحتفلت مع أخواتها بعيد الجلاء
والنصر وسارت معها لتسطير صفحة جديدة ناصعة من صفحات الاستقلال الوطني
والتقدم نحو السيادة والحرية والمجد 0
ذكرت
كتب التاريخ أن للمعرة سورا" ضخما" واسعا" وكبيرا" 00 وقد تهدم على يد
عبد الله بن طاهر في سنة (207هـ -821م) وأن صالح بن مرداس حاصر المعرة
ورماها بالمناجيق من فوق السور وخرج أبو العلاء المعري لمقابلته من أحد أبوابه وكذلك وقف دونه الصليبيون
حين مهاجمتها ثم احتالوا وصنعوا برجا" يوازيه ودخلوا المدينة وذكروا أن
له أبوابا" سبعة هي : باب (حلب – حمص – شيس – حناك – نصرة – الجنان –
الكبير 00)
متحف معرة النعمان
متحف في سوريا مقره خان أثري من الفترة العثمانية كان محطة استراحة على
طريق قافلة الحج القادمة من اسطنبول إلى دمشق ومن ثم إلى الديار المقدسة
والمسماة بقافلة الحج. وثم تحول إلى متحف في عام 1987 يقع في مدينة معرة
النعمانبمحافظة إدلب في سوريا.
يضم المتحف اللقى الأثرية من منطقة معرة
النعمان إذ تعرض فيه حاليا 1600م2 من الموزاييك الفسيفساء وثمة 400م2 أخرى
موجودة في المستودعات فقد ضاق المتحف بمحتوياته والمكتشفات الكثيرة من
الاثار في المنطقة، وأرضيته مرصوفة بالموزاييكالفسيفساء بشكل بديع، ومما
يذكر ان الفسيفساء
من الفنون السورية التي نشأت في العصور القديمة في العصر الاكادي وفي
العصور اللاحقة حيث كانت ارضيات المنازل ترصف بالقطع الصدفية والبلاط
الحجري.
يقسم المتحف إلى اربع أجنحة تضم كل منها نوع خاص من الأثار
الأبواب البازلتية المدافن تحفظ أبوابها
يعرض
في متحف "معرة النعمان" العديد من الأبواب البازلتية الغنية بالعناصر
الزخرفية،
حيث يقارب عددها 50 باباً تعتبر جزءاً هاما من الموروث التاريخي
للإنسان السوري القديم.
كانت
بالأصل أبواباً لمدافن جماعية اكتشفت في منطقة "المعرة"، وصنعت هذه
الأبواب من البازلت لأن كثرة استخدام الباب وتحريكه يتطلب تصنيعه من حجر
قاس فكان البازلت المتوافر بكثرة في الكتلة البازلتية الواقعة قرب "معرة
النعمان"، وقد نقش الفنان السوري القديم على هذه الأبواب جملة من الرموز
الزخرفية والنباتية ومنها الحيوانية ولهذه الرموز دلالات طقسية تتقاطع مع
الرسالة الإنجيلية وتذكرنا هذه الرموز بجملة من الرموز التي تم انتشارها
في اللوحات الفسيفسائية الموجودة في متحف "المعرة" وهذا يدل على الغنى
والخصب لفكر الفنان السوري القديم، ومن أهم هذه الأبواب المعروضة في باحة
المتحف باب نقش عليه صليب بشكل معين يرمز للاتجاهات الأربعة، وفي الزاوية
السفلية اليمنى من الباب هناك رمز لصليب معقوف بعكس عقارب الساعة، وهذا
النقش يذكرنا بأن هذا الرمز هو رمز قمري أي رمز لموت بعكس الصليب المعقوف
الذي تتجه أضلاعه باب بازلتي عليه رمز الصليب المعقوفمع عقارب الساعة
وذلك رمز شمسي ويرمز للسيد المسيح، وهذا النقش مهم جداً ومؤرخ عليه كتابة
باللغة اليونانية القديمة تذكر تاريخ هذا الباب 298 ميلادي أي القرن
الثالث وقد عثر عليه في شرق منطقة "المعرة"،
وهناك
العديد من الأبواب التي تختلف فيما بينها من حيث الرموز حسب غنى فكر
الفنان إلا أن معظم هذه النقوش هي عبارة عن صليب بهيئات مختلفة وهناك رمز
للشمس ذات الأشعة الملتوية وهي رمز للأبدية، وهذا النقش عبر إلى الفترة
الإسلامية للمباني، فهناك في الجامع الكبير في "معرة النعمان" يوجد هذا
النقش على يمين ويسار المحراب من الأعلى شكل الشمس ولها أشعة وهذه ترمز
للأبدية أو اللا نهاية، وفي العهد المسيحي خص بهذا الرمز عودة السيد
المسيح.
هذه
الأبواب كانت في الأصل تستخدم على مبدأ التوازن النسبي للمدافن، فهناك جرن
سفلي وجرن علوي ونلاحظ للأبواب بروزين من الأعلى والأسفل على جهة واحدة،
ويوجد في الوسطى مغلاق وقفل حديدي باب آخر عليه رموز للشمس ذات الأشعة
الملتويةبرونزي كان يستخدم لإغلاق المدفن ومع دخول الناس إليه، لمنع العبث
برفات الموتى، تتراوح تواريخ هذه الأبواب من القرن الثالث الميلادي وحتى
القرن السادس الميلادي، حيث اكتشفت في كل قرى المنطقة الشرقية في مدينة
"المعرة" على أحد هذه الأبواب، واستخدام هذه الأبواب لم يقتصر على الكتلة
البازلتية بل امتد إلى الكتلة الكلسية حيث كانت المدافن تنحت في الصخر
الحواري ويستقدم الباب من الجهة الشرقية لمنطقة "المعرة" باعتبارها كتلة
بازلتية، فكانت تقلع الحجارة من تلك المناطق وتزخرف وتنقل إلى المدافن، ولا
تزال مثل هذه الأبواب موجودة في أماكنها الأصلية فهناك برج التنسك في
قرية "الجرادة" شمال "المعرة" ما زال بابه البازلتي موجوداً في الموقع،
والملاحظ بأن جميع تلك الأبواب بنفس الحجم بقياس 110×90 سم».
مجموعة
الأبواب البازلتية تعتبر من أجمل محتويات متحف "المعرة"، وهي تحظى بإعجاب
كل من يطلع عليها، وعن ذلك يقول الأستاذ "خالد الخلف": «نحن في محافظة
"إدلب" نفتخر بمقتنيات متحف "معرة باب بازلتي لمدفن جماعي يعود للقرن
الخامس الميلاديالنعمان"، فما يحويه من لوحات فسيفساء رائعة ومكتشفات حجرية
فريدة يعتبر من أجمل ما تعرضه المتاحف السورية، ومن يزور متحف "المعرة"
ويشاهد تلك الأبواب البازلتية السوداء القاسية وما حوته من نقوش وزخارف
متنوعة ودقيقة وجميلة، يشعر ببراعة وقوة إرادة الفنان السوري، الذي أبدع
تلك اللوحات الزخرفية الرائعة على ذلك الصخر القاسي الأصم