سرجيلا
تقع
"سرجيلا" في جبل الزاوية إلى الجنوب الغربي لمدينة "إدلب" والتي تبعد
عنها مسافة /3/ كم و/20/ كم عن مدينة "أريحا". تعطي هذه القرية صورة صادقة
عن وضع الأرياف في سورية الشمالية في الفترتين الرومانية والبيزنطية.
وتقع
في واد ممتد من الشمال إلى الجنوب. عملت في "سرجيلا" البعثة الأثرية
الفرنسية منذ عام /1989/ واعتبارا من /1996/ أكملت فيها بعثة سورية فرنسية
مشتركة ما تم البدء به. يوجد في قرية "سرجيلا" أبنية متنوعة: بيوت، كنائس،
حمامات، مضافة، معاصر زيت، قبور. ولكن البيوت هي التي تحتل المركز الأهم،
وهي مبنية على نمط واحد مؤلف من ثلاثة عناصر أساسية أما البيوت السكنية:
أقدمها البيوت التي توجد في الوادي عند ابتداء السفوح.
وتتميز الغرف والفسحة بأبعادها الصغيرة ونوعية البناء فيها بدائية. تتكون الجدران فيها من صفين من الحجر الغشيم الصغير
الحجم.
وربما بناها أصحاب البيوت أنفسهم. ولا يوجد فيها أثر للتزيين وإن وجد فهو
لا يذكر. أقدم هذه البيوت يعود إلى نهاية القرن الثاني الميلادي.
كان
سكان هذه البيوت من الفلاحين الفقراء النشيطين وهم الذين استصلحوا
الأراضي الزراعية المحيطة بالقرية وكانوا يطبقون اقتصاد الاكتفاء الذاتي
بدمج الزراعة مع تربية المواشي وأحيانا على نطاق أصغر بزراعة الزيتون
وصناعة الزيت».
هناك
البيوت الكبيرة المبنية بأحجار بسيطة قائمة ومربعة الزوايا تزن الواحدة
منها بضع مئات من الكيلوغرامات مرصوفة بدون ملاط، تعود هذه البيوت إلى
القرنين الخامس والسادس الميلادي. وهي بحالة جيدة من الحفظ ويصل ارتفاعها
أحيانا إلى ثمانية أو عشرة أمتار أي حتى مستوى السقف. ولا ينقص بعضها سوى
السقف والأرضيات الخشبية والغطاء القرميدي. غرف البيوت واسعة وفي غرف
الطابق الأرضي يوجد قوس ترتكز عليه العوارض الخشبية للسقف مما يسمح
باستعمال عوارض اقصر. ويصل ارتفاع الغرف إلى أربعة أمتار. تزايد عدد السكان
بنسبة كبيرة خلال القرنين الخامس والسادس وتطور نشاطهم الاقتصادي وخاصة
زراعة الأشجار المثمرة وأشجار الزيتون وصناعة الزيت».
أما بخصوص الكنائس: يتألف المجمع الكنسي من كنيستين من طراز بازيليك، وفسحة سماوية، وبناء يوجد في غرف طابقه الأرضي ثلاث قبور».
وأهم
ما يميز هذه القرية "وجود الحمام" الذي بني عام /473/م حيث عمد أحد
القرويين اسمه "جوليانوس" إلى بناء هذا الحمام من أجل مجد مقاطعته. وهذا
يدل على أنهم كانوا يمارسون في القرى بعض تقاليد المدن كمساهمة الأغنياء في
تمويل المشاريع العامة. وهناك صف غرف من الجنوب تنفصل عن الصالة الكبيرة
بباب له إطار تزييني بارز أول هذه الغرف هي الصالة الباردة ومن ملحقاتها
دورة مياه ودوش. وتنفتح على الغرفة المتوسطة الحرارة أي ما يقابلها
"الوسطاني" في الحمام العربي، وبعد ذلك
نصل
إلى الغرفة الحارة، التي ترتكز بلاطات أرضيتها على طبقات من القرميد، يمر
تحتها الهواء الساخن. وفي الصالة المجاورة يوجد بيت النار والمغطس.
والغرف التالية ففيها مدخل للعمال ومخزن للوقود. أما الماء فكان مغطى
ببلاطات مرتكزة على أقواس كبيرة، وسعته هائلة تتجاوز حاجة الحمام. ونرى في
الطرف الشمالي الغربي من الخزان القواعد الحجرية لآلات سحب المياه.
تكمن
أهمية قرية "سرجيلا" في أنها تعطينا فكرة عن أحوال الريف العميق في سورية
الرومانية البيزنطية. وتدل الدراسات على أن هذا الريف كان يقطنه فلاحون
نشيطون ومبدعون وكانوا يتكلمون اللغة السريانية ويعرفون اللغة اليونانية
ويستعيرون بعض عادات المدن كنموذج لسلوكهم الاجتماعي وتحول هؤلاء السكان
إلى المسيحية بعد أن كانوا وثنيين ثم اعتنق بعضهم الإسلام قبيل بدء الرحيل
التدريجي عن هذه القرى ومن الناحية الاقتصادية وجد في التاريخ القديم
فلاحون أحرار وملاك أراضٍ استطاعوا أن يصلوا إلى الغنى على الرغم من وزن
الضرائب الباهظة