رويحة
قرية
"الرويحة" والتي تقع إلى الشمال الغربي من قرية جرادة بـ/3/كم فهي من
أجمل القرى الأثرية في الشمال السوري لما تمتاز به من غنىً معماري وفنّي
وزخرفي.
تمتدّ
هذه القرية الأثرية على مساحة شاسعة ومبانيها متنوعة من دينية إلى
اقتصادية، كالمحال التجارية في وسط القرية (الآغورا) ومباني لدفن الموتى
ذات تصاميم رائعة.
في
هذه القرية كنيستان، الأولى تقع إلى الجنوب من القرية وتعود إلى القرن
/الرابـــع/ الميــلادي، وهي ذات (أبهاء) ثلاثة وطراز (بازيليكي)، وتتكوّن
من بهو الكنيسة وتنتهي من الشرق بالحنية ورواقين يقومان على صف من
الأعمـدة الدائرية المقطعة والمتوجه بتيجان أيونية الطراز، وكان سقف
الكنيسة الأوسط يرتفع منسوبه عن أسقف الأروقة، وذلك ليتمكن المعمار من فتح
نوافذ للإنارة ولإتمام الطقوس الدينية المقدسة، وسقف البهو مؤلف من
(جيزان) خشبية بشكل عرضاني تستند على جدران الأروقة وفوق (الجيزان) يوضع
القرميد، ولهذه الكنيسة غرفتان مجاورتان للحنية وهما غرفة الذخائر
والهدايا والأخرى (الدياكينيكون).
أما
الكنيسة الشمالية في "الرويحة" فهي كنيسة "بيزوس بن بارادوس"، وهي ذات
طراز معماري رائع وتشبه إلى حدّ بعيد كنيسة قلب لوزة، فقد أقيمت على صفيّن
من القناطر كل صف ثلاث قناطر واسعة ارتكزت على قواعد مصلّبة الشكل وفي وسط
الكنيسة يوجد (النارتكس) والحنية الى الشرق منها ولهذه الكنيسة مدخلان من
الشمال ومدخل من الغرب وآخر من الجنوب.
أنها تعتبر أكبر كنيسة في
"جبل الزاوية" وأقدم كنيسة في العالم فهي الكنيسة البازليكية الأولى في
نظامها المعماري، تتركز على دعائم قائمة في صحنها قناطر باتجاهين، وتحتوي
هذه الكنيسة على مجموعة من المعالم الأثرية الهامة ومنها "قدس الأقداس"
الذي يتضمن حنية عميقة فيها ثلاث شبابيك شرقية تجاورها داران مستطيلتا
الشكل وهما "دار الشماسة" و"دار الشهداء"، يوجد فيه مجموعة من الأقواس
والبراويظ التي ترتكز على مجموعة من الأعمدة الحجرية، والقسم الثاني هو صحن
الكنيسة وتبلغ مساحته /230/ متر مربع دون الرواق الغربي وقدس الأقداس،
وينقسم إلى ثلاثة أسواق يفصل بين كل منها ثلاث قناطر كبيرة قائمة فوق
ركيزتين، وفوق هذه القناطر إفريز نافر يمتد كزنار على جهات الكنيسة الأربعة
وفي أعلى جدران السوق الوسطي كراسٍ مزخرفة، وفي الجهة الشرقية للكنيسة
يوجد قبرين الأول مقبب والثاني هرمي وهو قبر القديس "بيزوس" باني الكنيسة
ووجد على الجدار الخارجي للقبر كتابات يونانية مسيحية تعريبها ("بيزوس" بن
باردوس، أقمت حسنا، تولت حسنا، وأرتاح الآن حسنا، صلّوا من أجلي)».
أنها سميت باسم القديس "بيزوس" لأنه كان المشرف على بنائها ويعد من أهم
المراجع الدينية في زمانه وبعد وفاته دفن في قبر في أحد أطراف هذه الكنيسة
ويطلق عليها السكان المحليين أسم كنيسة دار السلطان وتأتي أهميتها أنها
أكبر كنيسة في المنطقة وأقدم كنيسة في العالم حيث يعود تاريخ بنائها إلى
القرن السادس قبل الميلاد، ويوجد كنيسة أخرى في مدينة "الرويحة" لكنها أصغر
من كنيسة "بيزوس" وطراز بنائها يختلف عن هذه الكنيسة.
وبجانب
الكنيسة من الجنوب الشرقي غرفة مربّعة الشكل مقببة، دفن فيها باني
الكنيسة، وقد كتب في صدر الغرفة (بيزوس بن بارادوس، أقمت حسناً، تجوّلت
حسناً، ارتاح اليوم حسناً...صلوا من أجلي) إلا أن هذه الكتابة أزيلت منذ
زمن.
هذه
الأبنية بنيت بحجارة كلسيّة كبيرة الحجم منحوتة بدقة ونظراً لدقتها لم
تحتج إلى مؤونة أو (ملاط) لتماســكها، وقد عالج المعمار السـوري قوى الضغط
الحاصلة من السقوف فعمد إلى الشكل الأفقي للمداميك التي تتباين ارتفاعاتها
في معظم الأحيان بين /20-25سم/. ونظراً لطواعية هذا الحجر الجيري فقد
نقـش البناؤون رموزاً مسيحيّة على مداخل الكنائـس و(الفيلات) كدائرة
وبداخلها صليب أو طغراء أو رموز مسـيحية أخرى.
وفي
النهاية إنّ هذه المجموعات العمرانية ذات طابع شرقي سوري أصيل، إن كان
بعض هذه المباني تأثر بالعمارة البيزنطية، أو الرومانية، أو اليونانية،
إلا أنّ المدرسة السورية لهذه العمارات باديــة لكل دارس ومتأمل، وإن دلّ
هذا على شئ فإنّما يدلّ على العمق الثقافي والهندسي للمعمار السوري
القديم، وإنّ هذه المباني الدينية المسيحية تعزز القول بأن سورية هي ممر
عبور الدين المسـيحي الذي وصل إلى أوروبا عبر أنطاكّية.
مدافن "الرويحة" الأثرية
تعتبر
المدافن الأثرية في قرية "الرويحة" شمال غرب مدينة "المعرة" بـ 15 كم من
أجمل الأوابد الأثرية التي مازالت منتصبة حتى اليوم في مدننا المنسية، إذ
تتسم هذه المدافن بتميز معماري فريد.
هناك
تميز في مدافن "الرويحة" التي تم تشييدها في القرنين الرابع والخامس
الميلاديين، فعند وصولنا إلى قرية "الرويحة" الأثرية من جهة الجنوب
يستقبلنا بناء جميل يسمى "المدفن المعبد"، وهو رائع جداً، حيث نلاحظ التميز
المعماري فيه، والبناء بالأصل روماني وتم إضافة بعض التزيينات المعمارية
إليه في العهد البيزنطي وهو متأثر من الناحية الزخرفية بالعهد اليوناني،
إذاً هو مزيج لعدة مدارس فنية معمارية: اليونانية والرومانية والبيزنطية،
وإنما وشح بطابع شرقي عربي أي إن المعمار هو سوري عربي من هذه المنطقة،
هذا
المدفن فريد مدخله من جهة الشمال، له عمودان متوجان بتيجان كورنثية رائعة
جداً مزخرفة وزخرفتها واضحة، وهو مؤلف من طابقين طابق أرضي (قبو) وطابق
علوي، وللأسف مكان الدفن في الطابق العلوي مفقود، أما النواويس في القبو
فمازالت موجودة، والمدفن الثاني هو مدفن "بيزوس" هو قبر فريد من نوعه يعتبر
من أهم المدافن في "سورية"، يقع بالقرب من كنيسة "بيزوس" بمحاذاة الزاوية
الجنوبية الشرقية، وهو بناء مربع الشكل له قبة نصف كروية مقعرة من الداخل
ومحدبة من الخارج، وفي زوايا القبر الخارجية من الأعلى تزيينات كورنثية،
هذا البناء فريد وهذه القبة هي من أولى القباب في "سورية"،
حيث
تم تحويل المربع إلى دائرة لتشييد القبة وهي حالة هندسية رائعة، تم تحويل
المربع عن طريق سراويل ركنية إلى دائرة، ودفن فيه باني كنيسة "بيزوس" وهو
"بيزوس بن بارادوس" في هذا المدفن، ونقش على الجدار الخارجي سطراً كتابياً
باللغة اليونانية القديمة التي كانت سائدة في المنطقة يقول: "بيزوس بن
بارادوس أقمت حسنا تولت حسنا وأرتاح اليوم حسنا صلوا من أجلي"، وقد تعرض
هذا النقش للإزالة من قبل اللصوص، أما المدفن الثالث في قرية "الرويحة" فهو
المدفن الشمالي بمحاذاة الزاوية الشمالية الشرقية من كنيسة "بيزوس"، وهو
مدفن رائع جداً من الناحية المعمارية، سقفه سانامي الشكل ومدخله جميل له
عمودان اسطوانيان متوجان بتيجان كورنثية، صاحب هذا المدفن هو قديس كان يقوم
بخدمة كنيسة "بيزوس" المجاورة للمدفن».
المعبد
المدفن" كان معبداً قبل كونه مدفناً، يعود تاريخه إلى القرن الخامس،
ولكنه كمعبد يسبق هذا التاريخ، ويعتبر من المعابد الوثنية المتميزة
والباقية في المحافظة، ما زال محتفظاً يسقفه الحجري الجميل، وغرفة الدفن
المحتوية على ثلاثة نواويس (توابيت حجرية)، له مدخل خلفي وقوس وسطي تستند
عليه أحجار السقف، واجهته مزخرفة بتيجان كورنثية، وهي التي سادت في القرن
الرابع على غيرها من زخارف التيجان، ثم تحول إلى مدفن للمؤمنين اللذين
تنصرا وآمنا بالإله الواحد، الكتابة اليونانية القديمة الموجودة على واجهة
المدفن العلوية المثلثة غير كاملة وتعريبها: (إله واحد فقط معين من أجل
أمان وتذكار الأحياء باسيما وماثبابيا جدد هذا المدفن في سنة 433 وهذا
التاريخ يوافق 384-385 م)، و"باسيما" اسم سرياني ويعني الحبيب و"ماثبابيا"
اسم آلهة قديمة وثنية، ولعلهما كانا وثنيين ثم تنصرا وحولا هذا المعبد
إلى مدفن لهم.
في
"رويحا" يصاب المرء بالدهشة حين مشاهدته معبدين إغريقيين بعواميد ذات نسب
جميلة وتأثيرات نيرة، وهي مدافن مسيحية تشغل غرفة النواويس الطابق القبوي
أعمدته الداخلية تحمل أحجار السقف وتحت الأقواس مسماك السقف، كما زارها
الرحالة والباحث الأثري الأمريكي "غاريت" عام 1900 فقال: خيمنا بموقع يضم
أروع الآثار يدعى "رويحا" مازالت تشتمل على العديد من القبور السالمة
والدارات والأبنية الأخرى، اثنان من القبور بني سقفاهما بأحجار مبلطة كبيرة
مدعمة بالأقواس الداخلية والقبر الثالث شكل سقفه كالقبة، وفي عام 1738
زارها الرحالة الانكليزي "بوكوك" حيث كتب يقول: في أحد الجوانب (أي جوانب
كنيسة بيزوس) تجد بناء واسعاً مع قبة مثبتة على دعائم والذي يبدو وكأنه
معبد قديم صغير واجهته العلوية مثلثة الشكل كورنثية، ولن تجد أفضل وأجمل من
هذه المصانعة الفنية، كل البناء قائم على أساس جميل ويواجهه رواق بأعمدة
يتألف من عمودين فقط».