دركوش
بلدة قديمة تقع على بعد خمس وثلاثون "كم" غرب إدلب ، تقع في مركز استراتيجي هام على ضفة نهر العاصي
، في منحدر سحيق بين جبلي الوسطاني و الدويلي و جبل القصير .كانت تتحكم في الطريق الرئيسية
بين انطاكية و جسر الشغور و أفاميا, وعدد سكانها الحالي يبلغ حوالي الخمسة ألاف نسمة.
تتألف
دركوش من البلدة القديمة بأزقتها التاريخية الجميلة و دورها العربية التي
تشابه الدور القديمة في محلة الجديدة بحلب و سوقها الأثري .
و من البلدة الحديثة التي بنيت غرب البلدة القديمة بمبانيها الإسمنتية التي تسلقت سفح الجبل .
معنى الاسم ( دركوش ) :
ذكرها الجغرافي الروماني سترابون باسم ( خاريبد ) في موسوعته (التاريخ الجغرافي) التي تتكون
من 47 مجلدا و كتبها فترة ميلاد السيد المسيح منذ حوالي ألفي عام و قال أنها واقعة في هوة جبلية
بين انطاكية و أفاميا, كما ذكرت في النصوص الأشورية المكتشفة في تل العشارنة جنوبي جسر الشغور باسم ( كوش ).
يقول الأسدي في موسوعته إن دركوش هي كلمة سريانية تعني الطريق الصغير لضيق طرقاتها بين الجبال
، أما الأب شلحت السرياني فيقول إنها كلمة سريانية تعني مهد الطفل لأنها تشبه المهد في وقوعها بين جبلين .
و يعتقد بعض المؤرخون انه كان فيها دير سمي باسم البلدة كوش .فصارت تسميتها دركوش .
أهمية دركوش كميناء نهري :
كانت دركوش قبل الفتح الإسلامي ذات أهمية تجارية لها صلة مباشرة مع انطاكية و تعتبر ميناءاً نهرياً على
نهر العاصي, مما حدا بالمسلمين بعد الفتح إلى إلحاقها إدارياً بإنطاكية
.و هناك بقايا أحجار ضخمة على ضفة النهر تشير إلى موقع رسو السفن النهرية .
قلعة دركوش :
في زمن الحروب الصليبية تحول الحصن المبني بالجبل أعلاها إلى حصن دفاعي قوي تناوب على احتلاله العرب و الفرنجة.
و في عام 1188 م عبر هذا الحصن صلاح الدين الأيوبي إلى الجهة الشرقية من العاصي بعد احتلاله قلعة بكاس الشغور.
و عندما استولى التتار على حلب انتهز القائد الصليبي ( بيوموند ) صاحب طرابلس الفرصة و استولى
على دركوش و حوَل القلعة إلى حصن منيع بقي في يديه حتى عام 1267 م استرده الملك الظاهر بيبرس بعد فتح انطاكية.
و في عصر المماليك استولوا عام 1403 م على انطاكية و القصير و بلاد ديركوش, فخرج إليهم الأمير دمرداش من حلب و لم يتمكن منهم .
في الزلزال الكبير عام 1822 م انهارت القلعة و سقطت الصخور على البلدة في الوادي
و دمرت معظم مبانيها و تحولت القلعة الآن إلى بقايا خربة يسميها الأهالي الخربة الشمالية .
نهر العاصي في دركوش :
على الرغم أن نهر العاصي يكاد يكون جافا خلال عبوره مدينة جسر الشغور و لا يتجاوز
عمقه صيفا النصف متر إلا أن عشرات الينابيع تغذيه قبلما يصل إلى دركوش
ليزيد عمقه على المترين و يجتاز بساتين البلدة تجاه الحدود التركية القريبة متوجها نحو انطاكية .
بساتين دركوش يفصل نهر العاصي بينها و بين الأراضي التركية التي تظهر في مؤخرة الصورة
و في الشتاء يفيض النهر و يرتفع منسوبه ليصل إلى عدة أمتار و يدخل الماء إلى البيوت القريبة من الضفة .
فيضان النهر و ارتفاع منسوبه في الشتاء
بساتين دركوش :
على طرفي ضفة النهر يزرع الأهالي أشجار الرمان و اشتهرت البلدة بالرمان العصفوري الصغير الحجم و لا عجو له
، و يزرعون أيضا أشجار المشمش المشهور باسم مشمش شكر بارة ، أما في الجبال فتزرع أشجار الزيتون .
مغارات دركوش :
تمتلئ الجبال المحيطة بالبلدة بالمغارات الجميلة القديمة .
مغارة النمر :
في أعلى الجبل المطل على البلدة مغارة كبيرة فوقها فتحة حجرية يطلق عليها السكان
مغارة النمر و هناك اسطورة محلية حول نمر كان يعيش قديما في هذه المغارة و تعشش
حمامة في الفتحة الحجرية أعلى باب المغارة و تقوم هذه الحمامة بتنبيه النمر في حال قدم احد لاصطياده .
مغارة الحكيم :
فيها مغارة في الجبل حفر فيها الصخر على شكل فتحات ، يعتقد السكان
انه كان فيها قديما حكيما طبيبا يضع الأدوية في هذه الفتحات الحجرية و يصعد إليه الناس لتلقي العلاج .
مغارة العبد و الجارية :
في أعلى الجبل مغارة صغيرة رسم في جدارها صورة
سوداء لشخص واقف و أمامه آخر جاث أمامه يسميها السكان مغارة العبد و الجارية.
يتناقل االتكية،طورة محلية طريفة أن من يستطيع الصعود إلى تلك المغارة لابسا قبقابا بارتفاع شبرين
حاملا على رأسه صينية بيض مقلي و يستطيع الوصول إلى المغارة و البيض ما زال ساخنا فسوف تنفتح المغارة على كنز ذهبي .
طبعا من المستحيل صعود الجبل بالقبقاب الخشبي العالي و بالسرعة التي يتطلبها بقاء البيض ساخنا .
تمثال دركوش :
قرب عين التكية ، على جبل مرتفعٍ نحت وجه رجل واقف يرتدي التاج، يسمِّيه الأهالي ملك البحارة .
أسفل التمثال يوجد مدفن محفور في جدار الجبل، وفوق مدخله كتابتان باللغة اليونانية الإغريقية :
- الأولى تشير للاسم القديم لنهر العاصي وترجمتها:" زينو ذوروس والأرنديون نحتوا وأقاموا هذا المدفن"
- أما اسم زينو ذوروس: فيبدو انه كان زعيم المنطقة، وكلمة الأرنديون :
نسبة إلى الأرند وهو اسم
نهر العاصي القديم،وقد ذكر ياقوت الحموي هذا الاسم قائلاً:"إن نهر العاصي اسمه قرب إنطاكية الاُرُنْد " ومنه جاء اسم (Orontes)
الذي أطلقه الأوروبيون على نهر العاصي حتى اليوم.
- و الثانية كتابة ترجمتها : "في سنـة 352م من شهر تَمُّـوز ، أوتيخوس رئيسُ صناع السفن هنا ،
حيثُ يرقدُ كما رقدتْ دومتلا أمي الحبيبة جداً. ابتهجي أيَّتُهـا الأمُّ ... ما من أحدٍ خالد"
هذا
دليل واضح على أهمية دركوش كميناء رئيسي على نهر العاصي في تلك الفترة
المبكرة ، ويدل هذا النص على أهمية دركوش أيضاً كمركز لصناعة السفن...
حمام السوق الأثري :
في دركوش حمام سوق أثري قديم مغلق بحاجة لترميم ،
ذكر على كتابة فيه انه جدد في
عهد الملك الظاهر غازي ابن صلاح الدين الأيوبي زمن الدولة الأيوبية .
جسر دركوش الأثري :
فيها جسر أثري قديم يصل بين ضفتي نهر العاصي في فيضان كبير حصل عام 1952 م
للنهر هدم هذا الجسر و بقيت منه قاعدة على الضفة اليمنى و قاعدة في وسط النهر و قاعدة على
الضفة اليسرى و على الرغم من النداءات الكثيرة لترميمه و إعادة بنائه ، إلا انه منذ سنوات
عدة جرفت المياه القاعدة التي بوسط النهر و انهارت تماما .بني جسر إسمنتي عقب انهيار الجسر ليصل السكان بين الضفتين.
مدفن السلطان بدر الدين الهندي
في البلدة مزار لرجل يدعى السلطان بدر الدين الهندي لم يستطع المؤرخون معرفة
هويته و لكن الموجودات في المزار تشير إلى أنها من زمن القرن الثالث عشر الميلادي .
الطاحونة الأثرية:
فيه بقايا بناء قديم لطاحونة مائية كانت تقوم على النهر ، يدخل الماء عبر فتحات أسفلها فيعا عنفات كانت تحرك حجر الطاحون
مبنى الطاحونة المائية
ناعورة دركوش :
في وسط البساتين على ضفاف النهر كانت تقوم ناعورة كبيرة أثرية زالت في الستينيات من القرن العشرين .
و بقي البستان الذي يجاورها يحمل اسم البستان الكبير.و كانت هناك قديما خمس نواعير تقوم برفع الماء من النهر إلى البساتين.